ناس تخاف ما تختشيش !
القرار الذي اتخذته الإدارة العامة للمرور بحجز مركبات مستخدمي الهاتف النقال وعدم مرتدي حزام الأمان لشهرين لم يأت من فراغ بل وفق رؤية مرورية محنكة اكتسبها الوكيل المساعد لشؤون المرور بالإنابة اللواء فهد الشويع بعد عمله سنوات طويلة في المجال المروري، ولا شك أنه تقرر بعد التشاور مع مختصين وخبراء في المجال المروري.
هذه الرؤية ترجمت بقرار صارم ابتغى مصلحة عامة لم يأت وليد صدفة أو لحظة بل بعد حملات توعوية أطلقتها في الآونة الأخير إدارتا المرور والإعلام الأمني ونادتا خلالها بضرورة ربط حزام الأمان وتجنب استخدام الهاتف النقال خلال القيادة حرصا على سلامتنا في الطريق وتطبيقا للقانون.
ونستغرب الحملة المعاكسة التي أطلقها البعض ضد القرار الجريء الذي اتخذه اللواء الشويع المعروف عنه حزمه وانضباطه الأمني وحرصه على تطبيق القانون، فهذا الرجل أؤتمن على تحقيق الانضباط المروري والحفاظ على أرواح الناس من الحوادث المرورية المميتة، فكيف نريده أن يحافظ على هذه الأمانة ويؤديها بوجهها الأكمل والأمثل من خلال عقوبات ركيكة لا تحقق الردع؟
اليوم ومع كل أسف هناك عدد كبير جدا من السائقين لاسيما الشباب منهم لا يأبهون لدفع مخالفة قيمتها 10 أو 50 دينارا مقارنة بمدخول شهري مرتفع، ولا يهتمون لسحب لوحات مركباتهم أو دفاترها طالما أنهم يضعون ببالهم أنهم سيقومون بدفع قيمة مخالفة مالية بسيطة ويسترجعونها فورا ليواصل بعضهم إجراما في الشوارع فنراهم تارة يتجاوزون الإشارة الحمراء وتارة يشاركون بالسباقات وتارة يمارسون الاستهتار والرعونة.
ولو أردنا التطرق لمخاطر استخدام الهاتف النقال وعدم ارتداء حزام الأمان أثناء القيادة، فأبلغ ما نستشهد به هو انخفاض معدل الحوادث في اليوم الذي شهد تطبيق قرار حجز المركبات لشهرين وبنسبة تزيد عن 60% مقارنة بالأيام الأخرى وهذا بحسب التقارير المرورية، كما أن هذا اليوم شهد انضباطا غير مسبوق في شوارع البلاد التي شهدت هي أيضا انسيابية في الحركة المرورية بفعل إقرار عقوبة رادعة والتشديد على عدم التهاون في تطبيقها.
ولا شك أن تغليظ العقوبة بحجز المركبات لمدة شهرين ابتغى في المقام الأول مصلحة العامة وسلامة مستخدمي الطريق والحفاظ على أرواحهم وممتلكاتهم الخاصة، ولو رمى لغير لذلك لفرض عقوبات مالية كبيرة بدلا من الحجز، كما أن هذا التغليظ تقرر بعد القيام بدراسات وتحاليل علمية وإحصاءات وأرقام أكدت وقوع ضحايا كثر وأضرار مادية جسيمة بفعل استخدام الهاتف النقال وعدم ارتداء الحزام أثناء القيادة.
ولنتحدث بصراحة وواقعية.. هناك قلة قليلة من المواطنين والمقيمين تحترم قوانين وضوابط المرور، ووضع مخالفات وعقوبات هشة لا يمكن أن يردع غيرهم من المخالفين الذين ومع كل أسف أقرب ما ينطبق على بعضهم المثل الشعبي المصري «ناس تخاف ما تختشيش» فهؤلاء حقيقة حتى عقوبة حجز المركبة لمدة شهرين قد لا تردعهم !
وشخصيا لا أجد أي مبرر للحملة المعاكسة على هذه العقوبات المغلظة لاسيما وأنها أتت لصالحنا وابتغت سلامتنا وسلامة أبنائنا، كما أستغرب الضغوط التي مارسها بعض نواب المجلس من أجل إيقاف هذه العقوبات رغم أنه كان الأولى بهم الحرص على دعم الجهود والقرارات الحكومية الإيجابية وتشريع كل ما من شأنه الحفاظ على سلامة المواطنين والمقيمين انطلاقا وانسجاما مع قسمهم الدستوري.
وما يثير الاستياء بعض الأعذار الواهية التي حيكت فقط لتعيب هذه العقوبات وتعرقل تنفيذها، فمنهم من ادعى أن حجمها «الكبير» لا يتناسب مع مخالفات «بسيطة» كعدم ربط الحزام واستعمال الهاتف، والسؤال الذي يثار هنا.. هل مخالفة كعدم ربط حزام الأمان أو مخالفة كاستعمال الهاتف أثناء القيادة هي من المخالفات البسيطة؟ وماذا لو تسبب مخالف بحادث جسيم أفضى لإزهاق روح بريئة أو تعريض أحدهم لعاهة مستديمة بسبب استخدامه الهاتف أو تجاهله الحزام.. هل ستكون هذه النتائج المأساوية حينها غير جسيمة؟!
وعلى ذكر جسامة العقوبات، هناك جهات حكومية أخرى قررت عقوبات مالية كبيرة تصل إلى آلاف الدنانير بحال التدخين في مكان عام أو إلقاء عقب سجائر أو التخييم من غير ترخيص أو البيع بدون ترخيص، ورغم أننا لا نؤيد خرق القانون وارتكاب مثل هذه المخالفات إلا أنه لا مجال لمقارنة الأضرار الناجمة عنها مع الخطورة التي تسببها مخالفات مرورية جسيمة كاستخدام الهاتف النقال وعدم ارتداء حزام الأمان، ومع ذلك لم نشاهد من يعترض عليها عكس ما حدث مع سحب المركبات حيث قامت الدنيا ولم تقعد!
وهناك من اجتهد وقرر عدم قانونية العقوبات المغلظة ومنهم من قال إن القرار شابه عيب استعمال السلطة، ومرد هذا أن القانون الإداري منح جهة الإدارة ممثلة بإدارة المرور سلطة تستمدها من الدستور بطريق غير مباشر على أن تمارس هذه السلطة من خلال القانون وبحدود، ولو طبقنا هذه القاعدة على قرار حجز المركبات لشهرين لوجدناه استمد قوته من قانون المرور، فضلا عن أنه يعد من القرارات التنظيمية التي تبتغي المصلحة العامة وتتسم بالعمومية والتجريد دون الخصوصية والانفراد إذ أنه لا يخاطب كل حالة على حدة بل يشمل كافة السائقين، وإن كان مرهقا بالنسبة لبعض المخالفين فهو يسيرا على غالبية مستخدمي الطريق ولا يكلفهم شيئا.
ويستنتج من ذلك أن عقوبة الحجز لمدة شهرين مستمدة من قانون المرور نفسه ولم تبتدع من نسج خيال إدارة المرور، وما حدث هو تفعيل للمادة 207 من هذا القانون الذي تم تطبيقه على ثلاث مخالفات «استخدام الهاتف وعدم ارتداء الحزام والخوذة» وهذا تم بقرار من وزير الداخلية بعدما رأت إدارة المرور ممثلة بوكيلها الشويع ضرورة كبح جماح الحوادث التي تقع بفعل هذه المخالفات الثلاث وذلك وفقا لمسؤوليته وصلاحياته الإدارية.
وهناك من قال إن القرار لم يراع الحالات الإنسانية والأعراف الاجتماعية لأنه شمل مركبات كبار السن والمعاقين والنساء والفتيات، وتساءلوا: «أين سيذهب هؤلاء العاجزين والضعيفات بحال تركهم في الشارع؟» ، وحسنا فعل مسؤولو المرور حينما ردوا على ذلك مؤكدين أن هؤلاء مستثنون من الحجز الفوري على أن يتم تحرير مخالفة لهم بحيث يتعهدون بتسليم مركباتهم بأقرب وقت للحجز.
وهناك من تطرق لكراج الحجز وقال إنه يشهد إتلاف العديد من المركبات، رغم أن قانون المرور حمل مسؤولية المركبة عند حجزها على مالكها الذي يفترض به إحكام إغلاق أبوابها ونوافذها حتى لا تتعرض للإتلاف أو الأتربة، ومنهم من قال إن الكراج لا يسع المركبات المخالفة ولم يقل لماذا لا نساعد على تطبيق القانون ونفكر بعدم ارتكاب مخالفات كهذه بدلا من الإصرار على المخالفة وحمل هم حجز مركباتنا وكأننا نهمش ونهمل وسائل الوقاية من الأمراض ونريد الوقوع بها لنفكر بكيفية التداوي منها.. رغم أن إدارة المرور بإمكانها توفير مساحات إضافية لأماكن الحجز؟!
خلاصة الكلام، الكثير منا ينادي بتطبيق القانون لكنه لا يحب تطبيقه، والكثير منا يحب أن نكون دولة حضارية متقدمة لكنه لا يحب الأخذ بأسباب وسبل التطور والرقي، والكل منا لا يريد السوء والضرر لكنه لا يتبع وسائل السلامة التي تساعده على ذلك، وإلا ما يضيرنا لو ربطنا الهاتف النقال بسماعات المركبة أو سماعات الأذن؟ وماذا سنخسر لو استخدم كل منا حزام الأمان الذي لا يستغرق ارتداؤه أكثر من 5 ثوان مقابل إنقاذ حياتنا؟!
وفي الختام لا يسعنا إلا أن نشكر وزير الداخلية الشيخ خالد الجراح الذي أمر بإعادة تفعيل القرار بعدما تبين له إيجابياته، كما لا يسعنا إلا أن نشكر اللواء فهد الشويع الذي بذل ولا زال جهودا كبيرا من أجل الضبط المروري وتحقيق السلامة المرورية لنا ولأبنائنا.
بقلم ناشر «جرائم ومحاكم» الصحفي/ عبدالكريم أحمد