• حبس صاحبها 3 أشهر وتغريمه 10 آلاف دينار وموظفين 2000 دينار
• المحكمة: فئة من التجار تطلعت لتضخيم ثرواتها على حساب حاجة الناس
• استغلوا حاجة الطلبة خلال جائحة كورونا وباعوا «آيبادا» بسعر مرتفع
• أحدثوا ارتفاعا مصطنعا للسلعة رغم وفرتها وعدم صعوبة الحصول عليها
• المشرع خشي من وقوع البسطاء كضحية للسلوكيات الاقتصادية السيئة
• ينبغي على التاجر الرضا والقناعة بما قسمه الله فلا يزيد من معاناة الفقراء
• التاجر إما معول هدم يزيد معاناة المحتاجين أو ذو قلب رحيم يخفف منها
• من الخطورة جدا طغيان الطمع لتحصيل أكبر كسب مالي وربح فاحش
• حرية التجارة والتصرف بالأموال مكفولة إذا ما طغت على مصلحة الجماعة
• القانون يوقف من تسول له نفسه الطمع والغش والفساد والاحتكار عند حده
• مراقبة التسعير ضرورة لكفالة احتياجات الأفراد وحمايتهم من الاستغلال
• جشع التجار يجعل الأنانية وحب المال والاحتكار والاستغلال يسيطر عليهم
• لا يجوز استغلال الغني لحاجة أخيه الفقير أو دولته المحتاجة بكسب المال
أصدرت المحكمة الكلية حكما غيابيا قضت فيه بغلق فرع شركة إلكترونيات كبرى لمدة شهر، وبحبس مالكها لمدة ثلاثة أشهر وتغريمه 10 آلاف دينار، وبتغريم موظفين فيها مبلغ 2000 دينار لكل منهما، لقيامها برفع سعر بيع جهاز لوحي «آيباد» ارتفاعا مصطنعا استغلالا لزيادة طلب طلاب العلم على هذه الأجهزة تماشيا مع القرار الحكومي بجعل الدراسة عن بعد خلال جائحة كورونا.
محضر ضبط
وكان مفتشو وزارة التجارة والصناعة قد حرروا محضر ضبط خلال جولة تفتيشية على أحد أفرع الشركة حيث تبين لهم بأن المتهمين عرضوا الجهاز الإلكتروني بسرعة 108 دنانير و 900 فلس بعدما عرضوه قبلها بشهر بسعر 98 دينارا و 900 فلس أي بزيادة مبلغ 10 دنانير على السعر السابق الذي تم رصده خلال جولة تفتيشية سابقة، مستغلين بذلك زيادة الطلب على هذه الأجهزة من قبل المستهلكين بسبب قرار وزارة التربية الصادر خلال جائحة كورونا بأن تكون الدراسة عن بعد باستخدام الأجهزة الإلكترونية، وقد تم سؤال المتهم الثاني في محضر المخالفة فقرر بأن السعر تغير من الإدارة.
إسناد النيابة
وأحيل المتهمون إلى المحاكمة بعدما أسندت النيابة العامة إليهم أنهم في تاريخ 6 سبتمبر 2020 في دائرة محافظة العاصمة عملوا على رفع سعر سلعة «آيباد 32 جيجا» ارتفاعا مصطنعا بدون وجه حق بقصد تحقيق ربح غير متفق مع واقع العرض والطلب، وطلبت عقابهم وفق قانون الإشراف على الاتجار في السلع والأعمال الحرفية وتحديد أسعار بعضها.
حيثيات الحكم
وأرجعت دائرة جنح التجارة الثانية برئاسة القاضي صهيب البصارة، إدانتها للمتهمين إلى أنه استقر في يقينها واطمئن وجدانها إلى أن المتهمين في الزمان والمكان الواردين بتقرير الاتهام قد اقترفوا الاتهام أخذا بما هو ثابت في محضر الضبط ومعاينة المفتشين في وزارة التجارة والصناعة المعينين من قبل الدولة لمراقبة الأسعار والإشراف على الأسواق والتحكم في التسعير، وما ثبت من بطاقة عرض سعر جهاز «الآيباد» الخاصة بالشركة في غضون شهر سبتمبر 2020 وفاتورة الشراء قبل ذلك بشهر لذات السلعة التي بيعت بسعر أقل ثم ارتفع سعرها بعد شهر بزيادة مبلغ مقداره 10 دنانير.
وذكرت حيثيات حكم المحكمة بأن المتهمين قاموا بتغيير سعر السلعة بإضافة مبلغ 10 دنانير عليها، ما يؤكد بشكل جازم أنهم عملوا عمدا على ارتفاع سعر السلعة ارتفاعا مصطنعا مستغلين بذلك زيادة الطلب وحاجة الناس بسبب صدور القرار الوزاري الذي قضى بأن تكون الدراسة عن بعد «أونلاين» باستخدام الأجهزة الإلكترونية خلال تلك الفترة، محافظة على صحة الناس والدارسين، وهو ما يتوفر به الركن المادي للجريمة.
معاناة الجائحة
وأضافت الحيثيات: «في ظل ما شهده العالم من معاناة بسبب انتشار فيروس كورونا الوبائي، تطلعت فئة من التجار إلى تضخيم ثرواتها على حساب حاجة الناس والاتجار بآلام الناس ومعاناتهم، لهذا كانت إرادة المتهمين قد انصرفت إلى إحداث ارتفاع مصطنع لهذه السلعة دون مبرر رغم وفرتها وعدم انقطاعها أو شحها من الأسواق أو ندرتها أو صعوبة الحصول عليها، إلا أن نفوسهم أبت عن بيعها سوى بأعلى من قيمتها السوقية على نحو لا يتماشى مع الوضع الطبيعي للعرض والطلب في الأسواق المحلية، وإيهام المستهلك بأن هذا هو السعر الطبيعي المتعارف عليه للسلعة في السوق، وهو ما يتوافر معه القصد الجنائي.
وأشارت إلى إن المشرع قد استهدف من وضع هذه القوانين عقاب وردع من يرتكب هذه الجريمة وحماية الائتمان العام الذي يقضي بأن تؤدي أعمال التجارة والاقتصاد وظيفتها بانتظام، لأن السلوكيات الاقتصادية السيئة تقود إلى صراع اجتماعي اقتصادي يخشى منه أن يتحول إلى ظاهرة عامة تجتاح الأمة بأسرها وتكون ضحيتها شريحة كبيرة في المجتمع هم المواطنون البسطاء والمواطنون الضعفاء والمواطنون المحتاجون، لذا حرصت التشريعات الحديثية على عقاب من يرتكب هذه الجريمة حفاظا على حقوق الناس وأموالهم.
هدم وبناء
وشددت الحيثيات على أنه ينبغي أن يعمر التاجر قلبه بالرضا والقناعة بما قسمه الله له حتى ينعم بالراحة ويحيا حياة طيبة مليئة بالعز والغنى والرزق، فإما يكون معول هدم يزيد من معاناة الفقراء والمحتاجين وتكون عاقبته المزيد من الديون والحرمان والمعاناة التي تكتوى بها العديد من الأسر، وإما يكون أداة بناء فيسهم بتخفيف الضراء عن المتضررين ويكون من القلوب الرحيمة التي امتلأت عدلا وصدقا وإحسانا ورفقا وسماحة، وتكون ثمرته أنه موعود بالبركة في رزقه والسعة في ماله والصحة في بدنه، فيحصن أمواله بطيب الاكتساب ونعمة البركة من كل الأبواب، وهذا الاتجاه الأخلاقي هو قمة العطاء وأقوى داعم لاستقرار الأسواق ونضجها وسعادة المجتمع.
واستطردت: «وأما عندما يطغى الطمع لتحصيل أكبر كسب من المال والربح الفاحش يصبح الأمر خطيرا جدا، لأن هذا العمل فيه إضرار بالناس خاصة الفقراء وأصحاب الحاجات، وهو ظلم بين منهي عنه شرعا وقانونا، مع التأكيد على أن حرية التصرف في الأموال والاشتغال بالتجارة مكفولة قانونا ما دام ذلك التصرف متماشيا مع روح القانون ومادامت مصلحة الفرد لا تطغى على مصلحة الجماعة، فإذا حصل ظلم أو طغيان من قبل الفرد أو الجماعة أو بدأت مؤشراته تلوح بالأفق، فإن النظام القانوني قد وضع ما يكفل إيقاف الناس عند حدودهم دون إجحاف أو ظلم ويمنع ويتصدى لمن تسول له نفسه التعدي على حقوق الناس وأموالهم محاربة للأطماع الفردية والقضاء على الغش والفساد والاحتكار والجشع».
مستلزمات المجتمع
واختتمت الحيثيات بقولها إن كفالة المجتمع بالحصول على مستلزماته الأساسية التي يحتاجها جميع أفراده أو أكثرهم بصفة عامة، تستوجب تسعير هذه الأشياء ومراقبتها طالما ظلت حاجة الناس إليها عامة، دفعا للضرر ومخافة استغلال الباعة لهذه الحاجة، إذ كلما استولى على التجار الجشع وتمكن من نفوسهم الطمع وسيطرت عليهم الأنانية وغلبتهم شهوة حب المال وعمدوا إلى الاحتكار والاستغلال، ما تعين على القانون التدخل ومراقبة التسعير وفرض عقوبات على من تسول له نفسه التلاعب بالأسعار، فلا يجوز أن يتخذ الغني حاجة أخيه الفقير أو دولته المحتاجة فرصة لاكتساب المال من هذا الطريق الذي لا خير فيه للمجتمع ولا للأفراد، والذي يجعل الغني في تربص دائم لحاجة المحتاجين يستغلها بزيادة ثروته دون عمل يحقق به نسبته إلى المجتمع ومساهمته فيه وجزئيته في بنائه، والذي ينزع من قلبه شعور الوحدة والأخوة ومعاني الرحمة والعطف التي هي من خصائص الإنسان الفاضل.
القانون يردع من تسول له نفسه اذا طبق … هذا مجرم ليش تغطي اسمه واسم شركته