المحكمة: ادعاء المتهمين دخول المجلس هربا من الأمن «هراء»
جميع الأدلة تؤكد اقتحامهم القاعة عمدا وفقا لخطة موضوعة مسبقا
الاتهامات ثابتة بحقهم ومرتبطة ببعضها ارتباطا لا يقبل التجزئة
انتهكوا حرمة المجلس.. والنواب لا يحق لهم الدخول بغير انعقاد جلسة
تجاوزا حرية الرأي في التعبير إلى الإخلال بالأمن وإحداث الفوضى
من بينهم نواب أقسموا على احترام القانون فإذا بهم أول من يخالفه
منهم أستاذ جامعي كان واجبه التنوير بالعلم فإذا به يدعو للغوغائية
شبان أثيروا بالخطب والعبارات الجوفاء والمحكمة تأخذهم بالرأفة
لا تساوي بالعقوبة فمنهم من تجب مساءلته بشدة ومنهم من يستحق الرأفة
يفترض بالنائب أن يكون الأكثر حرصا على هيبة المؤسسة الدستورية
العبرة ليست بقيمة التلفيات والجميع مسؤول عن إتلاف الباب والمنقولات
مجلس الأمة عقار من المرافق العامة.. والمتهمون عطلوا العمل بقاعته
التجمع في المجلس لا تسري عليه أحكام المواد المقضي بعدم دستوريتها
القضاء لم يتقاعس والتأخير بحسم الدعوى سببه الاستغلال السيء للقانون
قانون الإجراءات لا يناسب عصرنا الحالي ويغل من يد القضاء للعدالة
آن الأوان لتعديل المشرع إجراءات التقاضي خاصة المتعلقة برد القضاة
على المشرع إصدار تشريعات نحو استقلالية القضاء وحفظ أمن الوطن
أكدت محكمة الاستئناف بحيثيات حكم إدانة المتهمين باقتحام المجلس أن ادعائهم دخول المجلس اضطراريا أضحى من قبيل الهراء الذي تتنزه عن مناقشته أو الخوض فيه، مدللة على ذلك بشهادة القائد الميداني محمود الدوسري الذي نفى أن يكون قد طلب منهم الدخول إلى المجلس وأن هناك ممرات آمنة لمن يريد الخروج من الندوة السابقة على الاقتحام.
وذكرت المحكمة بمعرض تدليلها على أن المتهمين اقتحموا المجلس عنوة ولم يدخلوه هربا من الأمن حسب ادعائهم، أن التحقيقات كشفت أنهم دفعوا الحواجز الأمنية واستخدموا القوة مع رجال الأمن ورفضوا فض التجمهر وافترشوا الأرض معلنين أنهم لن يغادروا المكان ثم اتفقوا على التوجه إلى المجلس والاعتصام بداخله وقد أعلن عن ذلك المتهم الثالث من خلال مكبر الصوت، فضلا عن ترديدهم الهتافات الحماسية مثل «الشعب يريد استرداد مجلس الأمة» و «بيتنا .. بيتنا» وإقرار بعضهم أنهم هدفوا إلى الوصول لقاعة عبدالله السالم لإرسال رسالة إلى الحكومة، كما قام المتهم الثاني بمخاطبة المتجمعين بالقاعة مناشدا إياهم بالخروج بعد تحقيق غرضهم بقوله «انتهى الأمر ياشباب الرسالة وصلت وخلونا نغادر القاعة» وما أفصح عنه المتهم السابع بعد خروجه من المجلس بقوله «اشتبون أكثر من هالعز اللي وصلتوله اقتحمتم بيتكم بيت الشعب مو للقبيضة» وقال مرة أخرى «أن قلت هذا الكلام وأقولها مرة أخرى من اقتحم بيت الأمة هم النواب أنا وزملائي المسؤولين عن هذا».
وأضافت: إن ما أفصحت عنه الصور والمقاطع المصورة من احتفال المتجمعين داخل الباحة الداخلية لمجلس الأمة بالرقص والغناء ابتهاجا واحتفالا لا يكون إلا لمن حقق نصرا أو فتحا مبينا وهو ما يقر في وجدان المحكمة أنها انفعالات داخلية خرجت بصورة لا شعورية لمن تحقق له ما أراد، فكيف الحديث بعد ذلك عن أن من لجأ إلى مجلس الأمة كان من الخائفين الهاربين من بطش قوات الشرطة حسبما يدعون، كما أن من يريد اللجوء لمكان آمن لا يتسابق لكسر الممتلكات ويردد الهتافات الحماسية ما يؤكد السلوك العمدي المنفذ وفقا لخطة موضوعة مسبقا.
وذكرت أن قول بعض المتهمين من أن القائمين على حراسة المجلس هم من فتح لهم الأبواب أمر يخالف ماديات الدعوى إذ أن هذا القول ليس له صدى في الأوراق سوى أقوال المتهمين، ولم يشهد به أحد وتكذبه أقوال الشهود التي اطمأنت إليها المحكمة.
وأكدت المحكمة ثبوت بقية التهم بحق المتهمين وهي تهم الاشتراك بتجمهر داخل المجلس والدعوة إلى التجمع العام ومقاومة رجال الشرطة المكلفين بحفظ الأمن والنظام في الطريق العام وإهانة موظفين عموميين من رجال الشرطة وتحريضهم على التمرد والإساءة إلى مسند الإمارة، مشيرة إلى أنها تهم مرتبطة لا تقبل التجزئة.
كما أكدت ثبوت تهمة دخول عقار بحيازة الدولة بحق المتهمين، مبينة أن مجلس الأمة يأخذ حكم الأماكن العامة ويعد عقارا وأنهم دخلوه دون رضاء حائزه منتهكين بذلك حرمته بقصد ارتكاب جريمة التجمع في غير الأحوال والأوقات المحددة وبغير ترخيص من الجهة المختصة، مضيفة أن الأمين العام للمجلس شهد أنه لا يحق للعامة دخول القاعة بغير إذن كما لا يحق لأحد بما في ذلك النواب دخولها في غير حالة انعقاد جلسة بغير إذن من رئيس المجلس، وأن الصفة النيابية للعضو تلزمه أن يكون أكثر الناس حرصا على الحفاظ على المؤسسة الدستورية بهيبتها ووقارها لا أن ينتهك حرمتها في جنح الظلام.
وزادت: إن ما أثاره دفاع المتهمين بشأن ضالة قيمة التلفيات أن قيمة التلفيات ليست ركنا من أركان الجريمة إنما هي سبب لتشديد العقوبة، كما لا ينال من ذلك أيضا الدفع بشيوع الاتهام وأن هناك من المتهمين لم يشارك في التدافع نحو باب القاعة وفتحه عنوة ما أحدث به تلفا، وأن المحكمة تطمئن إلى أن جميع المتهمين تجمعوا ودخلوا عنوة باستخدام القوة مع الحرس ومن ثم فإن جميعهم يساءلون عن إتلاف الباب وبعض المنقولات.
واستطردت: لا ينال من ذلك أيضا ما أثاره دفاع المتهمين وسعيه الدؤوب إلى إثبات أن إتلاف قاعة عبدالله السالم لم يؤدي إلى تعطيل العمل بها وأن مجلس الأمة لا يعد من المرافق العامة، إذ أن تعطيل العمل بالقاعة أو عدم تعطيله لن يؤثر في توافر أركان الجريمة المسندة إليهم وأن تعطيل العمل في المرفق العام الناتج عن الاتلاف هو أمر معقاب عليه قانونا.
وتطرقت المحكمة للتجمهر موضحة أنه لا يشترط لتوافر جريمة التجمهر وجوب قيام اتفاق سابق بين المتجمهرين إذ أن التجمع قد يبدأ بريئا ثم يطرأ عليه ما يجعله معاقب عليه عندما تتجه نية المشتركين فيه إلى تحقيق الغرض الإجرامي الذي يهدفون إليه مع علمهم بذلك، في وقت أكدت فيه أن المتهمين تجاوزا حرية الرأي في التعبير إلى الإخلال بالأمن وإحداث الفوضى.
وأفادت أن قيام المتهم الأول بحمل مكبر صوت وإعلانه أن هذا المكبر الوحيد سيقود المسيرة، هو أمر يؤكد تهمة الدعوة إلى التجمع العام وتنظيمه، بوقت التفتت عن الدفع بعدم دستورية قانون التجمعات الذي سبق وأن قضت المحكمة الدستورية بعدم دستوريته مبينة أن التجمع في مكان عام غير هذه الأماكن كما هو الحال في الدعوى الماثلة لا تسري عليه أحكام المواد المقضي بعدم دستوريتها فيما يتعلق منها بجريمة الاجتماع العام، كما أن ممارسة هذا الحق الدستوري يستوجب أن يكون وفقا لمقتضيات المصلحة العامة.
وأكملت: بمجال تقدير العقوبة في القانون للجريمة وأعمال الظروف التي تراها المحكمة مشددة أو مخففة هو ما يدخل في سلطتها الموضوعية، كما أن من موجبات الرأفة من إطلاقات محكمة الموضوع دون معقب عليها في ذلك، منوهة إلى أنها لا ترتاح إلى أن تساوي بين المتهمين عن قيامها بتوقيع العقوبة عليهم فمنهم من يجب أن يؤاخذ بالشدة بالنظر إلى دوره على مسرح الأحداث إذ أن من بينهم من كان يحمل الصفة النيابية باعتباره نائبا عن الأمة أقسم على أن يحترم القانون فإذا به أول من يخالفه، ومنهم من هو أستاذ جامعي ومن تلقى تعليما رفيع المستوى كان من واجبه أن يحمل مشاعل العلم والتنوير إلى من هو أقل منه علما فإذا به يدعو إلى ثقافة الغوغائية وفرض الرأي بالقوة والصوت العالي، ومنهم من ترى المحكمة أخذهم بقسط من الرأفة كونه شاب في مقتبل العمر تمت إثارته بالخطب والعبارات الجوفاء التي لا تبني أوطانا، ومنهم من شارك في التجمهر لكن لم يكن سلوكه كغيره من المتهمين.
وأشارت إلى أن تداول الدعوى أمام هذه الدائرة والدوائر التي سبقتها قرابة الأربع سنوات لم يكن تقاعسا منها عن نظر هذه القضية أو الفصل فيها إنما كان لسبب لا دخل لإرادتها فيه هو الاستغلال السيء من قبل بعض المتهمين ودفاعهم لنصوص قانونية غلت يد المحكمة عن نظر الدعوى لفترات طويلة تارة وعن الفصل فيها تارة أخرى، فها هو الدفاع يستغل النصوص الخاصة برد القضاة أسوأ ما يكون وما أن يستشعر أن المحكمة في سبيل الفصل بالدعوى بادر فورا بردها وهو ما ترتب عليه أن أوقفت بعض الدوائر نظر الدعوى لحين الفصل في طلب الرد، والمحكمة إزاء تلك الممارسات تدق ناقوس الخطر وتهمس في إذن المشرع وتقول له أما آن الأوان لإعادة النظر في إجراءات التقاضي على الأخص المتعلقة برد القضاة وهل يعقل أن المتهم يستطيع أن يمنع قضاة المحكمة من الفصل بالقضية لسنوات إذا دفع مبلغ 100 دينار كقيمة كفالة طلب الرد بحيل متنوعة؟ الأمر الذي يجب على المشرع أن يتدخل فيه لضبط الأداء وإعادة النظر في هذه النصوص بما يحقق التوازن بين حق المجتمع في تحقيق العدالة الناجزة وحق المتهم أو الخصم أن يطمأن إلى حياد قاضية إذ أن القاعدة العامة أن المتهم أو الخصم لا يختار قاضيه وأنه لا يجوز الإخلال بهيبة المنصة من خلال التشكيك بالقضاة.
ونوهت المحكمة إلى أن قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية عمل به اعتبارا من نوفمبر 1960 أي قبل وضع الدستور حيث وضع في أحوال وظروف تختلف عما نعايشه الآن وأصبحت نصوصه في الغالب الأعم منها لا تتناسب مع هذا العصر ولا تؤدي إلى تحقيق العدالة الناجزة بل أصبحت هي من تغل يد المحكمة عن تحقيقها.
وأهابت بالمشرع أن يعمل على سرعة إصدار قانون جديد لتنظيم القضاء يعطي السلطة القضائية الاستقلال التام لإبعاد أية شبهة أو مظنة أن امور القضاء والقضاة في يد السلطة التنفيذية، مشيرة إلى أنها أرادت أن تضع المشرع أمام مسؤولياته فيما يحفظ أمن الوطن وينشر العدل في ربوعه في ظل ظروف إقليمية ودولية متغيرة وإرهاب يبدو أنه يقف على الأبواب.
جدير بالذكر أن حكم محكمة الاستئناف صدر أمس بإلغاء حكم أول درجة ببراءة المتهمين والقضاء مجددا بإدانتهم بعقوبات حبس من سنة إلى 7 سنوات، وكان من بينهم نواب سابقون وحاليون وناشطون ومواطنون.