• حكم المحكمة شمل إلغاء تعيين الحاصلين على أقل من 12 درجة في «التحريري».. والحاصلين على أكثر منها ممن تخطوا المدعي
• المحكمة: جهة الإدارة ولت دبرها عن مبدأ المشروعية وأشاحت بوجهها عن مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص وضربت عنهما الصفح
• تقدير الشهادة الجامعية هو المرآة الصادقة للكشف عن التفوق والكفاءة العلمية وليس المقابلة الشخصية التي لا تستغرق سوى دقائق
• لا سلطة تقديرية بالاختبار التحريري بخلاف ما قد يحصل في ساحة المقابلة الشخصية من محاباة بعض المتقدمين على حساب آخرين
• المحكمة وزنت القرارات المطعون فيها وزنا يرتاح إليه ضميرها ولا محيص أمامها إلا أن تميط اللثام عن عدم مشروعيتها جزئيا
ألغت الدائرة الإدارية في المحكمة الكلية، اليوم قرارات إدارة الفتوى والتشريع بتعيين المحامين الحاصلين على أقل من 12 درجة في الاختبار التحريري، إلغاء مجردا مع ما يترتب على ذلك من آثار.
كما قضت المحكمة بإلغاء قرارات المعينين الحاصلين على 12 درجة في الاختبار التحريري وما فوق فيما تضمنه من تخطي المدعي في التعيين بوظيفة محام «ب» في الإدارة مع ما يترتب على ذلك من آثار.
دعوى المدعي
وكان المدعي قد أقام دعواه مطالبا بإلغاء القرارات الإدارية الصادرة من المدعى عليهما بصفتهما «وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء بصفته ورئيس إدارة الفتوى والتشريع بصفته» بعدم قبوله كمحام «ب» مع ما يترتب على ذلك من آثار أخصها قبول تعيينه مع إلزام المدعى عليهما بصفتهما بالمصروفات.
وأوضح المدعي أن إدارة الفتوى والتشريع أعلنت عن فتح باب التقدم للتعيين بوظيفة محام «ب» بها وحددت في العلن الشروط الواجب توافرها فيمن يتقدم لشغلها والمستندات الواجب إرفاقها بطلب التعيين الذي يكون عن طريق الموقع الإلكتروني للإدارة من 8 مارس 2018 حتى 29 مارس 2018 واستنادا لذلك تقدم بطلب تعيينه بتلك الوظيفة واجتاز الاختبار التحريري والمقابلة الشخصية إلا أنه فوجئ بعدم إدراج اسمه في كشوف المقبولين وتعيين من هم أقل منه في الكفاءة والمعدل الجامعي، فتظلم من القرارات الإدارية الصادرة من وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء بالتعيين إلا أنه لم يتلق ردا، ولما كانت هذه القرارات قد جاءت مخالفة للدستور والقوانين واللوائح ومشوبة بعيب إساءة استعمال السلطة والانحراف بها لخللها بمبدأ تكافؤ الفرص وافتقادها لضوابط العدالة والمساواة، الأمر الذي حدا المدعي على رفع الدعوى المطروحة بما سلف من طلبات.
حيثيات الحكم
وذكرت هيئة المحكمة برئاسة المستشار محمد جاسم، أن الثابت بيانه أن جهة الإدارة ولت دبرها عن مبدأ المشروعية وأشاحت بوجهها عن مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص وضربت عنهما الصفح، فإنها تكون بذلك قد أوردت قراراتها المطعون فيها موارد الطعن بالإلغاء، موضحة أن الثابت لها من واقع الأوراق والمستندات – بعد أن انتهت إلى بطلان تخفيض درجة النجاح لتصبح 10 درجات بدلا من 12 درجة مع تطبيق قاعدة جبر كسر الدرجة إلى درجة كاملة – عدم اجتياز بعض المعينين للاختبار التحريري لحصولهم على أقل من 12 درجة بما مقتضاه عدم سلامة مراكزهم القانونية وعدم جواز استمرار تمتعهم بها، الأمر الذي تكون معه القرارات المطعون فيها للمعينين الحاصلين على أقل من 12 درجة في الاختبار التحريري قد صدرت بالمخالفة للقانون ومن ثم تقضي المحكمة بإلغائها إلغاء مجردا مع ما يترتب على ذلك من آثار أخصها استعادة الجهة الإدارية سلطتها بالتعيين بالوظيفة – إذا ما عن لها ذلك – بعد استدراك الخطأ الذي انزلقت فيه وكان سببا مباشرا لهذا القضاء.
ونوهت المحكمة إلى أن من المعروف في القانون الإداري أن من شأن الحكم بالإلغاء المجرد زعزعة جميع المراكز القانونية غير السليمة التي ترتبت على صدور القرار الذي وقعت فيه المخالفة القانونية والمقضي بإلغائه مجردا، وأن الرقابة على القرارات الإدارية هي رقابة مشروعية تسلطها على القرارات المطعون فيها لتزنها بميزان القانون والشرعية والمصلحة العامة، فتلغيها وتوقف تنفيذها إذا تبين صدورها بالمخالفة لحكام القانون بصفة عامة أو انحرافها عن الغاية التي حددها الدستور والقانون لسلامة تصرفات الإدارة وهى تحقيق الصالح العام إلى استهداف غير ذلك من الأغراض غير المشروعة، ومن ثم فإنه لا وجه للمحاجة بأن المحكمة قضت بأكثر مما طلبه المدعي ارتكانا إلى أنه لم يطلب إلا إلغاء القرارات المطعون فيها إلغاء نسبيا فيما تضمنته من تخطيه في التعيين بوظيفة محام «ب» بإدارة الفتوى والتشريع.
وأضافت بأن مراقبة المحكمة لمشروعية القرار الإداري لا تجد حدها عندما قد يعتقده الخصوم مخالفا للقانون في القرار المطعون فيه وإنما يجب أن تبسط المحكمة سلطانها لمراقبته بصفة عامة صونا للمشروعية والمصلحة العامة واستهدافا لسلامة تصرفات جهة الإدارة إن هي تفرقت بها السبل، فاتصال المحكمة بالقرار المطعون فيه يعد طرحا له برمته عليها لتستجلي مواطن مخالفة القانون والمشروعية التي دقت على سواها، وتتصدى لما شابه من عوار وزلل وإن لم تتضح للخصوم مواطنه، وتفند ما عسى أن يكون قد ران عليه من عيب مخالفة القانون أو عدم المشروعية أو الميل عن المصلحة العامة، فطلبات الخصوم بإلغاء القرار المطعون فيه لما ارتأوه من أسباب لا تغل يد المحكمة ولا تحول بينها وبين استبيان ما أشكل عليهم من جوانب عوار القرار وعدم مشروعيته بما يخولها سلطة إلغاء القرار إلغاء مجردا ولا يقف حائل بينها وبين ذلك اقتصار طلب الخصوم على إلغائه إلغاءً نسبيا.
وبالنسبة لإلغاء قرار تعيين أحد المدعى عليهم الصادر في تاريخ 11 أبريل 2019 بوظيفة محام «ب» في الإدارة بعد حصوله على 14.5 درجة في الاختبار التحريري والقول بأن هذا القرار لحقه البطلان لأن المدعى عليه سبق له العمل بالمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية خلال الفترة من تاريخ 17 مارس 2019 حتى 13 أبريل 2019 بالمخالفة لأحد الشروط المعلن عنها لشغل الوظيفة، فهذا القول مردود عليه بأن الإعلان نص على أن تكون الفترة المقررة لتقديم طلبات التعيين من تاريخ 8 مارس 2018 وحتى 29 مارس 2018 وأوجب إرفاق شهادة حديثة صادرة من المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية لبيان حالة المتقدم وما إذا كان مؤمنا عليه من عدمه على أن يكون تاريخ الشهادة بدءا من تاريخ 8 مارس 2018 ومن ثم فإن العبرة في مدى انطباق ذلك الشرط على المتقدم من عدمه تكون بتاريخ تقديم طلب التعيين وليس تاريخ قبوله بما يغدو معه هذا القرار سليما وبمنأى عن الإلغاء المجرد.
وبشأن باقي القرارات المطعون فيها للمعينين الحاصلين على 12 درجة في الاختبار التحريري وما فوق، فذكرت المحكمة أن الثابت من الأوراق أن إدارة الفتوى والتشريع أعلنت عن فتح باب التقدم للتعيين بوظيفة محام «ب» بها وحددت في الإعلان الشروط الواجب توافرها فيمن يتقدم لشغلها ومن بينها اجتياز المقابلة الشخصية التي تجرى من قبل لجنة الاختيار المشكلة لهذا الغرض بعد اجتياز الاختبار التحريري الذي يعد من قبل اللجنة بالتنسيق مع معهد الكويت للدراسات القضائية والقانونية وهو شرط لا تثريب على الجهة الإدارية في إضافته باعتبار أنه لا يخالف القانون ويتلاءم مع نص المادة الأولى من نظام الخدمة المدنية الذي أجاز صراحة للجهات الإدارية إضافة شروط أخرى إلى ما ورد فيها، الأمر الذي تكون معه التعيينات لمن اجتازوا المقابلة الشخصية بعد اجتياز الاختبار التحريري بالحصول على 12 درجة فيه وما فوق – في ذاتها وبما لا يتعارض مع ما سيأتي بيانه – سليمة ولا غبار عليها، ذلك أن المحكمة – بعد إعمال رقابتها القانونية على سلطة الجهة الإدارية في الاختيار والتحقق من مدى صحته من ناحية الواقع والقانون – تبين لها مطابقة تلك التعيينات لشروط وضوابط ومعايير القبول وقيام القرارات الصادرة بشأنها على أسباب سائغة ووقائع تنتجها وتبررها في ظل الطبيعة الخاصة لتلك الوظيفة وأهميتها ومسؤولياتها التي تتطلب في شاغلها فضل عن الكفاءة العلمية مستوى خاصا يتعلق بالجوانب الشخصية.
وأكدت المحكمة أن الثابت من الأوراق أن المدعي حاصل على الشهادة الجامعية في الحقوق من جامعة الكويت بمعدل 80.23% بتقدير جيدا جدا وقد اجتاز الاختبار التحريري المعد من قبل لجنة الاختيار بحصوله على 12 من 20 درجة، ثم خضع للمقابلة الشخصية كما هو ثابت باستمارة التقييم المرفقة وحصل على 24 من 40 درجة في عنصر المعلومات القانونية و 12 من 20 درجة في عنصر المعلومات الشخصية و 12 من 20 درجة في عنصر الثقافة والمعلومات العامة و 18 من 20 درجة في عنصر الشهادة الجامعية ليكون المجموع النهائي 66 من 100 درجة، وعلى ضوء ذلك تم استبعاده وعدم إدراج اسمه في كشوف المقبولين لأن لجنة الاختيار اعتبرته راسبا في المقابلة الشخصية بعد تحديد النجاح فيها للحاصلين على 70 من 100 درجة وما فوق فقط، فولى المدعي وجهه شطر القضاء ناعيا على القرارات المطعون فيها بعيب مخالفة القانون وعيب إساءة استعمال السلطة والانحراف بها وعدم استهداف المصلحة العامة.
وأكملت بأن الأوراق نطقت بأن المدعي ظاهر التفوق والتميز علميا بحصوله على تقدير جيد جدا في الشهادة الجامعية ولم تنع الجهة الإدارية عليه مسلكا يحول بينه وبين تقلد الوظيفة أو افتقاده لأي من شروطها واعتصمت في معرض دفاعها عن تخطيه في التعيين بمجرد عدم اجتيازه للمقابلة الشخصية في الوقت الذي كان ينبغي عليها حيال تفوق المدعي وتميزه العلمي – على الوجه الذي تقدم ذكره – أن تشير إلى ما ارتأته ينال من تلك الكفاءة لاسيما وأنه تمسك منذ فجر الدعوى بأنه أبلى فيها بلاء حسنا وأجاب عن ما طرحته اللجنة عليه من أسئلة واستفسارات مقتضبة، كما أن امتناع الجهة الإدارية عن تقديم محضر المقابلة الشخصية الذي كلفتها المحكمة بتقديمه – نظرا لأهمية هذا المستند وتأثيره في الدعوى – واكتفاءها بتقديم استمارة التقييم يشير إلى أنه لم تجر مفاضلة حقيقية وجادة بين المرشحين خاصة بين المدعي والمعينين الذين يدنونه الحاصلين على تقدير جيد.
وتابعت: لا يستساغ عقلا ومنطقا القول بتفوق المعينين على المدعي في المقابلة الشخصية وهو المتفوق عليهم علميا في مرحلة الدراسة الجامعية التي تستغرق مدة طويلة يمكن من خلالها الكشف عن حقيقة مستوى المتقدم لشغل الوظيفة بحكم تعدد وتنوع المواد التي يؤدي الاختبارات فيها والكفيلة بإظهار قدراته العلمية والعقلية الحقيقية، ذلك أن تقدير الشهادة الجامعية هو المرآة الصادقة التي يمكن من خلالها الكشف عن التفوق، كما أن هذا التقدير يعد انعكاسا حقيقًا وصريحا لقياس الكفاءة العلمية على عكس المقابلة الشخصية التي لا تستغرق – وفق إفادة علي عبد الله مناور المستشار بإدارة الفتوى والتشريع الواردة في تقرير لجنة التحقيق بمجلس الأمة المؤرخ في 30 مايو 2019 حول ضوابط وقواعد القبول بإدارة الفتوى والتشريع سوى بضع دقائق لا تكشف بحال من الأحوال عن المستوى العلمي والعقلي الحقيقي للمتقدم وهو ما وقفت الجهة الإدارية عاجزة عن دحضه وإثبات ما يفيد خلفه، ولا يكفي في ذلك الصدد التدثر وراء عباءة السلطة التقديرية أو التستر وراء حصول المدعي على أدنى الدرجات في تلك المقابلة دون أن يتسم دفاع الجهة الإدارية بالجدية والمعقولية في ظل ما صدحت به الأوراق من تفوقه على بعض المعينين ليس في تقدير الشهادة الجامعية فقط وإنما في درجة الاختبار التحريري أيضا وهو عبارة عن مجموعة من الأسئلة التي تتم الإجابة عن الجزء الأول منها بوضع علامة صح أو خطأ والجزء الثاني منها بالاختيار من بين أربع إجابات بما مفاده عدم وجود مجال فيه لأية سلطة تقديرية بخلاف ما هو حاصل في ساحة المقابلة الشخصية الذي قد يجر إلى محاباة بعض المتقدمين على حساب آخرين.
وأشارت المحكمة إلى أنه ثبت لها من إفادة المستشار صلاح حسين المسعد رئيس إدارة الفتوى والتشريع الواردة في تقرير لجنة التحقيق المشار إليه أن الأسئلة القانونية التي توجه إلى المتقدمين في المقابلة الشخصية تتغير من يوم إلى آخر ولكنها متكررة، وأن هذه الأسئلة هي ذاتها الموجودة بالاختبار التحريري والهدف منها التأكد من أن من حصل على درجة في الاختبار التحريري قد حصل عليها باستحقاق، وهو ما يقطع – حسب قناعة المحكمة – بأن أدنى القول فيما سبق هو صورية الاختبار الشفوي في المعلومات القانونية الذي أجرته لجنة الاختيار والمرصودة له 40 درجة كاملة من إجمالي درجات المقابلة الشخصية باعتباره مجرد ترديد لما سبق وأن ورد في الاختبار التحريري، إذ لو كان الأمر على هذا النحو لاكتفت اللجنة – من باب أولى – بدرجة الاختبار التحريري أو على أقل تقدير بحساب درجة ذلك الاختبار ضمن عناصر التقييم لاسيما وأن النجاح أو الرسوب فيه ثابت بورقة الإجابة ولا يختلف عليه اثنان.
وزادت بأن الثابت من التقرير كذلك أنه فيما يتعلق بعنصر الثقافة والمعلومات العامة قامت اللجنة بطرح أسئلة قانونية فقط على المتقدمين وهو مالا يحقق الغرض المقصود من هذا العنصر وينطوي على خلط واضح بين مفهوم الثقافة والتخصص ويؤكد أن المقابلة الشخصية لم تتضمن تقييما حقيقيا للمتقدمين لشغل الوظيفة، الأمر الذي لا محيص معه أمام المحكمة – بعد وزن القرارات المطعون فيها وزنا يرتاح إليه ضميرها راحة من أدى الأمانة على وجهها مقسطة غير قاسطة – إلا أن تميط اللثام عن عدم مشروعية هذه القرارات جزئيا لما بدا لها ما لحق بها من عوار حتى أضحت بلا قانون يقلها أو عدالة تظلها، ومن ثم تقضي المحكمة بإلغائها فيما تضمنته من تخطي المدعي في التعيين بوظيفة محام «ب» في إدارة الفتوى والتشريع مع ما يترتب على ذلك من آثار أخصها تعيينه بتلك الوظيفة اعتبارا من تاريخ 11 أبريل 2018 واحتفاظه بأقدميته بين زملائه المعينين بتلك القرارات.