• أفراد يتداولون مستندات خاصة بمرضى دون إذنهم بما ينتهك خصوصياتهم ويمسّ كراماتهم.. وينذر بفوضى تنتهك الإنسانية في بلد القانون
• الرفاعي: «الصحة» حرصت على خصوصية وأسرار المرضى بإقرار لائحة حقوقهم ووثيقة السلوك الأخلاقي لمزاولي الطب
• الشطي: الإفشاء الطبي يفضي لزعزعة ثقة المرضى بالأطباء.. والشرع حرمه لعدوانه على المريض وارتباطه بالوفاء والعهود وحفظ الأمانات
• الطوالة: نطالب بسرعة إقرار الملف الإلكتروني.. فالنظام المعمول به حاليا بنقل الملفات سبب رئيسي بإفشاء الأسرار الطبية
• الشومر: عدم الالتزام بصون خصوصية المرضى من شأنه أن يعصف بقيم المجتمع ويؤدي إلى تداعيات عائلية ومجتمعية خطيرة
• المطيري: أسرار المرضى لها شق إنساني يدعو الطبيب إلى المحافظة على خصوصياتهم فضلا عن كونها موضوعاً قانونياً ملزماً
• الهندياني: الدول تضع التزاماً بعدم إفشاء السر الطبي.. والمشرع الكويتي مده للإداريين والكتبة والعاملين المطلعين على حالة وتقارير المريض
• الشريان: جمعية المحامين ترفض هذه السلوكيات المشينة لمخالفتها القانون والأعراف والمواثيق الطبية والإنسانية
• الكفيفة: حسناً فعل المشرع الكويتي بتجريم إفشاء السر الطبي بعقوبات على المتورطين بالحبس 5 سنوات والغرامة 10 آلاف دينار
تتسم مهنة الطب بالإنسانية والرقي والحرص على كل ما من شأنه تأمين سلامة المريض وحفظ خصوصيته وصون كرامته، إلا أن هناك مرضى يتعرضون لانتهاك خصوصياتهم من خلال تسريب أسرارهم الطبية من واقع ملفاتهم المرضية، ما يمتهن كراماتهم ويشكل خطورة على حياة بعضهم وينذر بفوضى تنتهك الإنسانية في دولة القانون.
ورغم أن الكثير من القوانين والتشريعات تحظر هذه الجريمة غير الإنسانية، إلا أن البلاد شهدت خلال السنوات الأخيرة عدة حالات لتسريب وتفشي مستندات طبية خاصة بمرضى ونشرها في وسائل إعلامية لتصبح في متناول الجميع دون علم أو موافقة صاحبها، ما يشكل خطورة بالغة على حياة مرضى لديهم أسرار طبية لا يرغبون في إفشائها حفاظا على أمنهم واستقرارهم المعيشي والوظيفي وغيره.
وفي وقت يخرج فيه أشخاص عن المبادئ الأخلاقية والإنسانية والقانونية عبر تسريب ونشر هذه المستندات، يتعذر معرفة المسؤول عن هذا التسريب بالنظر إلى العمل بآلية بدائية بأرشفة ونقل ملفات المرضى في المستشفيات والمراكز والإدارات الصحية المختلفة.
مختصون في المجالين الطبي والقانوني أبدوا آراءهم تجاه هذه القضية، فكان هذا التحقيق:
مسلمات القسم
بداية، أكد الرئيس السابق للجنة الدائمة لأخلاقيات وأعراف مزاولة مهنة الطب والمهن الطبية المساندة والأمين العام السابق لمعهد الكويت للاختصاصات الطبية د. فواز الرفاعي أن خصوصية المرضى والحفاظ على سرية معلوماتهم وبياناتهم من مسلمات القسم الطبي لأي طبيب عند تخرجه من كلية الطب.
وذكر الرفاعي أنه تم تنظيم هذا الأمر في القانون رقم 70 لسنة 2020 بشأن مزاولة مهنة الطب والمهن المساعدة لها وحقوق المرضى والمنشآت الصحية، الذي تضمن استثناءات محددة لإمكانية إفشاء معلومات المريض ومنها وجود قرار قضائي أو أمر يهدد صحة المريض.
وأضاف أنه تم إدراج خصوصية المريض ضمن القرار الوزاري 33 لسنة 2017 بشأن لائحة حقوق المرضى والذي يتم حاليا العمل على تحديثه في اللجنة الدائمة لتحديث اللوائح الاسترشادية بأخلاق وأعراف مهنة الطب.
وأفاد الرفاعي بأن البند 11 من القرار ينص على أن «للمريض الحق باحترام خصوصيته وكرامته الإنسانية وسرية المعلومات المتعلقة به وبحالته الصحية، وتلتزم جميع المؤسسات العلاجية والعيادات الخاصة بصون وحماية وحفظ حق المريض بالخصوصية وسرية المعلومات المتعلقة به».
وأكمل أنه تم إدراج هذه الخصوصية أيضا ضمن وثيقة السلوك الأخلاقي لمزاولي مهنة الطب والمهن الطبية المساندة، الصادرة بداية يونيو الماضي وفق قرار وزاري حمل الرقم 209 لسنة 2022، حيث تطرق لواجبات الطبيب نحو المريض بشكل مفصل منها الحفاظ على سرية المعلومات وعدم إفشاء أسرار المرضى إلا بحالات محصورة حددها القانون.
وكشف بأن الوثيقة حرصت على واجبات ومبادئ السلوك الأخلاقي لمزاولي مهنة الطب والمهن المساعدة لها، ومنها واجبات تجاه المريض تدعو إلى احترام خصوصيته والحفاظ على سرية معلوماته وعدم استخدامها في غير نطاق العلاج.
وبين أن الوثيقة حذرت من الكشف عن أية معلومات خاصة بالمريض ومن إشراك أقاربه في معلوماته الصحية دون موافقته، كما حذرت من استخدام أية معلومات أو صور فوتوغرافية أو فيديوهات للمرضى في أي إعلان أو في أي وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي من غير أخذ موافقته الخطية المسبقة له.
وشدد على أن وزارة الصحة تولي هذه القضية اهتماما، مشيرا إلى أنها تقوم بتحويل من لا يلتزم بالقوانين والقرارات المنظمة لخصوصية المريض إلى إدارة الشؤون القانونية في الوزارة وجهاز المسؤولية الطبية لاتخاذ الإجراءات بحقه وفق الجرم والأثر المترتب على إفشاء سريته.
مهنة الإنسانية
بدوره، ذكر مدير منطقة الأحمدي الصحية د. أحمد الشطي أن مهنة الطب توصف بأنها مهنة الحكمة والإنسانية وتتسم بصون خصوصية المريض وعدم إفشاء أسراره كحق من حقوقه الأدبية والإنسانية والطبية.
وتطرق الشطي للحديث عن أهمية ثقة المريض بالطبيب، مبينا أنه يفصح له عادة عن بعض خصوصياته وأسراره التي لا يتشاركها حتى مع أقرب الناس إليه بسبب الإحراج والمعاناة، ما يستوجب الحرص على هذه الثقة وعدم زعزعتها.
وشدد على أن صون السر الطبي لا يشمل الطبيب وحده بل حتى الطواقم الطبية والإدارية المساندة كالتمريض والتحاليل والسجلات، مبينا أن هؤلاء ممكن بحكم تخصصهم أن يطلعوا على أسرار المريض وبالتالي هم ملتزمون بالمحافظة عليها والحرص على عدم إفشائها.
وبين أن الاهتمام الكبير بهذه الخصوصية نابع عن تعلقها بأمور خاصة في حياة المريض كالميراث والارتباط والزواج واللياقة والعمل، باعتبار أن إفشائها قد يرتب عليه ضررا فادحا أو مشاكل كبيرة.
وتحدث الشطي عن تحريم إفشاء السر الطبي من الناحية الدينية، مبينا أن الكثير من النصوص الواردة في الكتاب والسنة وآراء الفقهاء تحرم هذا الأمر لارتباطه بالوفاء والعهود وحفظ الأمانات فضلا عن كونه عدوانا على المريض.
ودلل على هذا التحريم بعموم النصوص المرغبة في ستر المؤمن، مضيفا أن إفشاء سر المريض يسبب ضررا نفسيا وأذى معنويا له، بل يترتب على كشف الأسرار الطبية الإضرار بالمهنة نفسها لأنه عندما يفقد المريض الثقة بالطبيب فإنه لن يبوح له بكل ما لديه وبالتالي لا تنكشف حقيقة المرض، وهذا كله من الضرر المنهي عنه شرعا.
وأضاف أن الله سبحانه وتعالى أمر بحفظ النفس المعصومة واحترامها وحرم المساس بجسم الإنسان سواء أكان ذلك المساس ماديا أم معنويا، ومن المساس المعنوي «إفشاء الأسرار الخاصة بجسم الإنسان».
وكشف أن مجلس مجمع الفقه الإسلامي قرر خلال العام 1993 وجوب حفظ السر على من يعمل في مهنة الطب، إذ يركن إلى هؤلاء ذوو الحاجة إلى محض النصح وتقديم العون فيفضون إليهم بكل ما يساعد على حسن أداء هذه المهام الحيوية، ومنها أسرار لا يكشفها المرء لغيرهم حتى الأقربين إليه.
واسترشد الشطي بمواقف محلية دلت على عظمة تجريم إفشاء السر ومنها عندما طلب وزير الصحة الأسبق د. عبدالرحمن العوضي، رحمه الله، من إدارة الفتوى والتشريع فحص مدى إمكانية إفشاء أسماء وشخصيات مرضى وأشخاص تم ابتعاثهم للعلاج في الخارج للرد على سؤال برلماني إلا أن الإدارة رفضت ذلك.
وأضاف: «كما شهد أحد الاستجوابات السابقة الاستعانة بتقارير خاصة بمرضى تم طمس أسمائهم وعرضها دون أخذ إذنهم، وكان هذا الأمر محل حرج واستنكار لكيفية فتح الملف الطبي الخاص بهؤلاء للاستدلال في قضية سياسية».
وانتقد تداول بعض المغردين أخيرا لتقارير حول ابتعاث شخصية سياسية للعلاج بالخارج دون أخذ إذنه في ذلك من أجل أغراض سياسية، مشيرا إلى أن الجسد الطبي يرفض هذا السلوك تماما.
وفي معرض حرصه على السر الطبي، ذكر الشطي أنه عندما كان يعمل كطبيب مهني، كان يطلب من أصحاب العمل مراعاة عامليهم المرضى بتجنب الممارسات الجسدية التي تضاعف من مرضهم دون ذكر طبيعته لهم حفظا لحقوقهم بسرية التشخيص.
دور جزئي
أما رئيس الجمعية الطبية الكويتية د. إبراهيم الطوالة فذكر أن الجمعية شاركت بصياغة قانون مزاولة مهنة الطب الذي تعاقب المادة 70 منه كل من يفشي السر الطبي بالحبس والغرامة، مضيفا أن وزارة الصحة قامت بجزء من دورها بالحفاظ على سرية المرضى من خلال إصدار قرارات ونشرات.
وانتقد الطوالة النظام الإداري المعمول به بنقل ملفات المرضى باعتباره سببا رئيسيا بإفشاء الأسرار الطبية، مشيرا إلى أن الأطباء ملتزمون بقسمهم الطبي نحو ذلك، وأن غالبية التسريبات تكون من موظفين غير أطباء.
ورأى أن المسؤولية مشتركة في ظل استمرار وجود الملفات الورقية التي يصعب عبرها حفاظ سرية المرضى، لافتا إلى أن نقل ملفاتهم يتم حاليا من قسم إلى قسم بمعرفة موظفين غير مؤهلين كموظفي النظافة وغيرهم ما يسمح باختراقها.
وطالب الطوالة الجهات المختصة بسرعة إقرار الملف الإلكتروني الذي تطالب به وزارة الصحة منذ 10 سنوات وتأخر بسبب الإجراءات الإدارية، لافتا إلى أن إقراره سيحد كثيرا من إفشاء أسرار المرضى فضلا عن أنه سيحدد من قام بالاطلاع على أي مستند أو إفشائه.
الأمن الاجتماعي
بدورها، قالت عضو جمعية القلب الكويتية د. هند الشومر إن إفشاء السر الطبي يهدد التماسك الاجتماعي ويقوض الأمن الاجتماعي، لذا يجب الحرص على الحفاظ عليه لتعزيز الثقة بين الطبيب والمريض وللالتزام بأخلاقيات المهنة.
وأفادت الشومر بأن السر الطبي هو في الواقع يدخل ضمن الحق في الخصوصية وهو أحد حقوق الإنسان الرئيسية، كما أنه حق دستوري بمعنى أنه يعلو على غيره من حقوق الإنسان الأخرى التي نصت عليها المواثيق والمعاهدات الدولية التي تقوم الدول بتقديم تقارير عنها للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان والمنظمات الدولية.
وأوضحت أن كل طبيب ملزم بأداء قسم الأطباء قبل ممارسة المهنة والمتضمن تعهده بصون السر الطبي، مشيرة إلى أن عدم الالتزام بصون حقوق المرضى بالخصوصية من شأنه أن يعصف بقيم المجتمع ويؤدي إلى تداعيات عائلية ومجتمعية خطيرة، لذا حرص القانون على إقرار عقوبات على من لا يلتزم بصون حقوق المرضى بالخصوصية.
وأشارت إلى وجود نصوص صريحة في دساتير الدول وقوانينها وإجراءاتها بشأن صون الخصوصية والسر الطبي، لافتة إلى أن الكويت أدرجت ذلك عبر نصوص واضحة في التشريعات المتعلقة بالرعاية الصحية مثل تشريعات التأمين الصحي والأمراض السارية والصحة الرقمية الإلكترونية.
وأضافت: «نظم المشرع الكويتي حقوق المريض بشأن صون السر الطبي وفقا لنصوص القانون، وأقر عقوبات على من يفشيه، وذلك في قانون تنظيم مزاولة مهنة الطب والمنشآت الصحية وحقوق المرضى الصادر عام 2020 بالإضافة إلى المرسوم بقانون رقم 62 لسنة 1992 بشأن الوقاية من الإيدز وقانون الفحص الطبي قبل الزواج رقم 31 لسنة 2008».
ولفتت الشومر إلى أن وزارة الصحة تقوم من خلال القرارات المنفذة لتلك القوانين بوضع الإجراءات اللازمة للمحافظة على السر الطبي وتوعية مقدمي الرعاية الصحية بحقوق المرضى بصون السر الطبي والمحاسبة عن أية انتهاكات لحق المريض في ذلك.
وأفادت بأن برنامج الاعتراف بجودة الرعاية الصحية في المرافق الصحية يتضمن معايير حقوق المرضى ومن بينها الحق بصون السر الطبي، مضيفة أن هناك قرارات منظمة لتصوير المرضى لأغراض التعليم الطبي وقرارات منظمة لمشاركتهم في البحوث، تؤكد جميعها على الحق في صون السر الطبي لهم.
قسم عظيم
من جهته، قال إخصائي جراحة الأنف والأذن والحنجرة د. مشعل المطيري إن الأطباء وعلى مستوى العام وقبل التخرج من كليات الطب يقسمون على حفظ أسرار المرضى، وهو قسم عظيم يلتزمون به أمام رب العالمين بحفظ أسرار المرضى لديهم.
ولفت المطيري إلى أن أسرار المرضى وقبل أن تكون موضوعا قانونيا ملزما فله شق إنساني بأن يحافظ الطبيب على المريض وخصوصياته أمام الآخرين، مبينا بأنه من الممكن أن يطلع على التقارير الطبية آخرون كالهيئة التمريضية وهم أيضا أمام القانون وتحت القسم ملزمون بحفظها وأنا على ثقة تامة من هذا الأمر».
التزام الدول
من جهته، قال أستاذ القانون الخاص بكلية الحقوق في جامعة الكويت د. خالد الهندياني إن الكثير من الدول تضع التزاما بعدم إفشاء أسرار المريض، وبالتالي يحظر على الطبيب أو من يزاول المهنة أن يدلي بأي معلومات أو بيانات تحصّل عليها أثناء مزاولته لعمله، ومن هذه القوانين القانون رقم 70 لسنة 2020 بشأن مزاولة مهنة الطب والمهن المساعدة لها.
وأفاد الهندياني بأن الفقرة 3 من المادة 9 من هذا القانون ألزمت من يزاول مهنة الطب اتخاذ كل الإجراءات اللازمة للمحافظة على خصوصية المريض وكرامته، كما حظرت المادة 13 على من يزاول المهنة أن يفشي سرا خاصا بالمريض ويسري هذا الحظر على كل العاملين بالمنشآت الصحية المعنية أو بغيرها من الجهات.
واستطرد «من خلال هذا النص نجد أن المشرع الكويتي وضع التزاما على من يزاول مهنة الطب أو المهن المعاونة لها أن يتمنع عن إفشاء السر الطبي، ومد هذا الالتزام إلى كل من يتصل عمله بالسر ليشمل أيضا الإداريين والكتبة وغيرهم من عاملي المنشآت الصحية ممن يطلعون على حالة المريض أو تقاريره الخاصة».
وذكر أن هذا الالتزام غير مقتصر على من يزاول مهنة الطب أو المهن المعاونة لها بل يشمل كل من يتصل عمله ويطلع على حالة المريض الصحية كالعاملين في المنشأة الصحية من ممرضين وإداريين وموظفي الملفات والأرشيف وغيرهم.
وأوضح الهندياني أن الهدف من تجريم الإفشاء هو اعتبار أن حالة المريض الصحية من صلب خصوصياته وحياته الخاصة، فبالتالي فإن تسريب وإفشاء معلومات عن حالته للغير دون موافقته يعتبر انتهاكا لخصوصيته وكرامته.
وتابع أن الإفشاء ممكن أن يكون كتابة أو شفويا، فمثلا يقوم الطبيب أو الإداري أو أي مسؤول في منشأة صحية بإعطاء شخص آخر تقريرا طبيا خاصا بمريض دون موافقته، وبالتالي ممكن أن يسيء هذا الشخص استعمال هذا التقرير بما يعتبر إفشاء.
وزاد «كما أن إتاحة المعلومات عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة أو وسائل التواصل الاجتماعي عن حالة مريض معين يعتبر إفشاء، والإفشاء يتحقق حتى لو لم يذكر اسم المريض طالما كنا قادرين على الوصول إلى شخص من خلال الصفات المذكورة، ومن خلال نشر صورة المريض سواء في وسائل الإعلام أو غيرها دون موافقته».
وأكد تحقق حالة الإفشاء حتى لو كانت المعلومات المدلاة صحيحة عن حالته، موضحا أن تجريم هذا الفعل يكون بسبب انتهاك الخصوصية لا الكذب بالمعلومات عن حالة المريض.
وبين أن المشرع وضع هذا الالتزام على الطبيب كما وضع عقوبة على من يخالف هذا الالتزام تتمثل بالحبس مدة لا تزيد عن 5 سنوات وبغرامة لا تزيد عن 10 آلاف دينار أو إحدى هاتين العقوبتين لكل من أفشى أو نشر بأي وسيلة أو طريقة سرا من أسرار المريض، وجعل تحريك الدعوى الجنائية من قبل المجني عليه أو من قبل ورثته إذا كان متوفيا أو من قبل ممثله القانوني أو وكيل الوزارة.
وأكمل: «كما وضع المشرع استثناءات يجوز معها لمن يزاول المهنة أن يفشي سرا طبيا، ومنها إذا كان تنفيذا لأمر مكتوب صادر من المحكمة أو النيابة أو أي جهة تحقيق، أو إذا كان الأمر يتعلق بأحد الزوجين فيكون الإفشاء للزوج الآخر بعد أخذ موافقته كتابة على ذلك».
وأضاف: «أما إذا كانت المعلومات خاصة بأحد الزوجين فيجوز الإفشاء عنها من أجل درء خطر صحي محدق عن الآخر كأن يتكشف الطبيب بأن الزوج مصابا بمرض معد خطير ما يشكل خطورة على الزوجة، وهنا لا نحتاج موافقة الأول».
واستطرد بأنه يجوز إفشاء السر الطبي في حالة التبليغ عن الأمراض السارية والمعدية، أو إذا كان المريض قد وافق كتابة لأي شخص أو جهة يتم تحديدهم، كما يجوز لما تقتضيه مزاولة المهنة من تبادل الخبرات والبيانات مع الأطباء كأن يستشير طبيب آخر أعلى منه حول حالة معروضة عليه.
وبين بأن المشرع أجاز إفشاء السر الطبي في حالات العنف وسوء معاملة الأطفال، وأيضا حالات الإهمال والعنف الموجه إلى كبار السن، فلا بد من مزاول المهنة أن يبلغ عن هذه الحالات.
انتكاسة صحية
من ناحيته، أكد رئيس جمعية المحامين المحامي شريان الشريان عدم جواز تسريب أو نشر السر الطبي الذي من شأنه أن يؤدي إلى انتكاسة الحالة الصحية للمريض الذي قد يكون مصابا بأمراض أو عجز يؤدي إلى نبذه مجتمعيا أو يفقده الثقة بنفسه.
وشدد الشريان على أن جمعية المحامين ترفض مثل هذه السلوكيات المشينة، والتي يجرمها قانون مزاولة مهنة الطب ويدين مرتكبها بالحبس والغرامة، فضلا عن كونها مخالفة للأعراف والمواثيق الطبية والإنسانية.
مخالفة قانونية
أما خبير الشؤون الدستورية المحامي د. خالد الكفيفة فأوضح أن مخالفة إفشاء الأسرار بصفة عامة تعمد الإفضاء بسر من شخص اؤتمن عليه بحكم عمله أو صناعته في غير الأحوال التي يوجب فيها القانون الإفضاء أو يجيزه، مبينا أن من صور هذا الإفشاء هو إفشاء السر الطبي الذي يعد جريمة تشكل مخالفة دستورية وقانونية وشرعية.
وقال الكفيفة: «حسنا فعل المشرع الكويتي عندما نظم جريمة إفشاء الأسرار الطبية من خلال القانون رقم 70 لسنة 2020 بشأن مزاولة مهنة الطب والمهن المساعدة لها وحقوق المرضى والمنشآت الصحية، فقد نصت مادته 13 على أنه: يحظر على مزاول المهنة أن يفشي سرا خاصا بالمريض سواء أكان هذا السر قد نمى إلى علمه أو اكتشفه من خلال مزاولة مهنته أو كان المريض قد ائتمنه عليها أو سمع به من غيره، ويسري هذا الحظر على كل من اتصل علمهم بالسر من العاملين بالمنشآت الصحية المعنية».
ولفت إلى أن المشرع الكويتي أجاز إفشاء السر الطبي لثماني حالات محددة حصرا بالقانون، منها تنفيذ أمر المحكمة أو النيابة العامة أو إحدى جهات التحقيق المختصة، أو بقصد منع ارتكاب جريمة، أو للتبليغ عن مرض من الأمراض السارية.
وأوضح الكفيفة أن المشرع تشدد بعقوبة جريمة إفشاء السر الطبي في المادة 70 من القانون المشار إليه حرصا منه على أهمية المحافظة على أسرار المرضي، فقد قرر أن العقوبة قد تصل إلى خمس سنوات حبسا وغرامة تصل إلى 10 آلاف دينار، وتطبق هذه العقوبة على كل من أفشى أو نشر بأي وسيلة أو طريقة سرا من الأسرار الخاصة بالمريض، كما يحق لكل من تضرر من هذه الجريمة المطالبة بتعويض مالي جابر للضرر.
«الدستورية» شددت على صون السر الطبي
صدر سابقا حكم قضائي من المحكمة الدستورية برفض طلب أحد نواب المجالس السابقة بتوجيه سؤال برلماني يتضمن مساسا بخصوصيات المرضى، قالت فيه «إن حق عضو مجلس الأمة في توجيه السؤال ليس حقا مطلقا إنما يحده حين ممارسته حق الفرد الدستوري في كفالة حريته الشخصية، بما يقتضيه من الحفاظ على كرامته واحترام حياته الخاصة بعدم انتهاك أسراره فيها، ومنها حالته الصحية ومرضه، بما لا يصح معه لمن استودع السر الطبي ومنه وزير الصحة أن يكشف سر المريض بما في ذلك اسمه دون إذنه أو ترخيص من القانون».